يَظن البَعض أن العمل والتجارة والإدارة لا علاقة لها بالأخلاق. إذن فأين تكون الأخلاق؟ إن لم يكن العمل مرتبط بالأخلاق فأين نلتزم بالأخلاق؟ هل الأخلاق هي شيء نَلتزم به في المساجد فقط؟ كيف تكون أمينا إن لم تكن أمينا في عملك؟ هل يقال عنك أنك صادق إن كنت صادقا مع أهلك وأصدقائك وكذَّابا في عملك؟ ألا يقال لمن يغش في البيع أنه غشَّاش؟ ألا يقال لمن يُطفف في الكيل والميزان بأنه من المُطففين؟
وهناك من يعتقد أنه من السَذًاجة أن نتحدث عن الأخلاقيات في مجال العمل والتجارة ويستشهد على ذلك بمقولة:
Business is Business
وكأنه يريد أن يقول أن التجارة والعمل هما في مفهوم الأجانب لا علاقة لهما بالأخلاق وبالعواطف كذلك. وفي الحقيقة فإن هذا خلاف الواقع فالجامعات الأجنبية تهتم بتدريس مادة تتعلق بأخلاقيات العمل والإدارة لدارسي الإدارة بل وفي التخصصات الأخرى مثل الهندسة والطب. عندما درست إدارة أعمال في الولايات المتحدة درست مادة كاملة حول الأمور الأخلاقية والقانونية في العمل. بل وكان الأساتذة الذين يدرسون مواد مثل المحاسبة والإحصاء يَتَطَرَّقون للمواضيع الأخلاقية أثناء المحاضرات. فالأخلاق في الإدارة هي أمر مطلوب في العالم المتقدم بل وأي مخالفة لذلك تقابل باستهجان كبير من الشخص العادي
كذلك فإن الإدارة لا تفترض أن العاملين ليس لديهم أي مشاعر أو انهم ليسوا بشرا. بل الإدارة تتعامل مع طبائع البشر واحتياجاتهم. فكيف تستطيع تحفيز العاملين إن لم تتعامل معهم كبشر لهم احتياجات ومشاعر؟ هل تتصور أن عدم احترام العاملين هو شيء مقبول لأنه يأتي في إطار العمل؟ هل تتصور أنه من الصواب أن تطلب من أحد العاملين ألا يذهب لحضور جنازة أقرب أقاربه أو أن تمنعه من أن يأخذ أجازة ليعتني بابنه أو زوجته المريضة؟ إن كنت تستشهد بالأجانب فهم لا يفعلون ذلك. ألم تسمع أن رئيس وزراء بريطانيا قام بأجازة طويلة عندما رزق بمولود؟
العملٌ عمل….نعم، ولكن ما معنى ذلك؟ معنى ذلك ان تعطي كل ذي حق حقه فلا تجعل مشاعرك تجاه شخص ما تتحكم في قراراتك في العمل. لا تتحامل على شخص ما لأنه لا يخالف لوائح عمله لكي يرضيك. لا تتنازل عن حقوق شركتك لكي تُجامل الآخرين. العمل يهدف للربح ولاكتساب المال ولكن من خلال إطار أخلاقي. فليس معنى العمل أن تخدع أو تخون الأمانة أو ترتشي أو تسرق أو تكذب أو تظلم أو تتلفظ بالبذيء من الأقوال أو ترتكب الشنيع من الأفعال
أحيانا ننظر إلى الأمور في إطار ضيِّق فنقول: يا أخي هذا أمر بسيط ولا توجد مشكلة من التلاعب فيه. في الواقع فإن أي مخالفة أخلاقية صغيرة تؤدي إلى مشاكل كبيرة. على سبيل المثال إن التلاعب في رقمٍ واحد في تقرير يومي يؤدي إلى تغير متوسط هذا الرقم على مستوى اليوم وعلى مستوى الشهر ويؤدي إلى أن تكون التقارير الشهرية والسنوية غير معبرة عن الحقيقة بل وتؤدي إلى فشل عمليات التحليل والتطوير لأن الأرقام لا علاقة لها بالواقع. دعنا نتأمل الأمثلة الآتية
مواقف لها علاقة بأخلاقيات العمل وأخلاقيات الإدارة
الوُعود
أنت مدير في العمل وجاءك المرؤوس يشكو إليك قِلة دخلِه فوعدتَه بحوافزٍ ومكافآتٍ إن أَثبتَ كفاءته في العمل بينما أنت لا تَنوي أن تُكافئه أو تعلم أنه لا يمكنك مكافأته.
من الناحية الأخلاقية أنت شخص كاذب ومخادع.
من الناحية الإدارية سيفقد هذا الشخص ثقته فيك وفي إدارة المؤسسة بل وسيقوم بنقل هذا الانطباع للآخرين. هذا سيؤدي إلى انخفاض أداء العاملين وعدم رغبتهم في بذل أي مجهود غير عادي أو إلزامي
تقارير العمل
أنت مدير وطلب منك تقديم تقرير لِرَئيسك عن سير العمل فطلبت من مرؤوسيك إعداد التقرير. ولكن عندما قُدِّم إليك التقرير وجدتَ أنه يظهر بعض المشاكل التي لا تريد عرضها على رؤسائك فطلبت من مرؤوسيك إحداث تغييرات بسيطة في الأرقام وتغيير بعض الحقائق أو عرضها بشكل مبهم.
من الناحية الأخلاقية أنت شخص كاذب وغشاش ومزور.
من الناحية الإدارية أنت أصبحتَ قدوة سيئة لمرؤوسيك وثِق أنهم سوف يفعلون نفس الشئ معك. القدوة السيئة تمتد كذلك لزملائك من المديرين الذين قد يجدون أن أسلوبك جعلك تظهر أما الرؤساء كبطل عظيم وبالتالي يبدؤون في تقليدك. بعد قليل تصبح التقارير كلها غش وكذب وحقائق مزورة. لا يخفى عليك أن هذا يؤدي إلى فشل الإدارة وبالتالي العمل
التَّوظيف
أنت مدير -في شركة لا تملكها- وأعلنتَ عن وظيفة وتقدم لك كثير من المرشحين وقمت باختبارهم وحددت المرشحين ذوي الكفاءة وقررت اختيارهم. وعند إصدار قرارك النهائي تذكرت أن أحد المرشحين الأقل كفاءة كان قد أتى بتوصية من قريب أو صديق لك فاستبعدت أحد المرشحين الأكثر كفاءة واخترت هذا الشخص صاحب التوصية.
أليست هذه خيانة للأمانة التي تحملتها؟ ماذا كنت ستقول لو كنت أنت مالك الشركة وعلمت بذلك؟ ألن تقول أن المدير الذي لا يعمل لديك غير أمين. الأمر لا يتوقف عند إحباط الشخص الأكثر كفاءة بل يتعداه إلى غيره من أقرانه الذين يعلمون بما حدث معه ويبدؤون في فقدان الثقة في المجتمع الذين يعيشون فيه. بل وغيرهم ممن هم أصغر سنا يشعرون أن لا فائدة من الإجتهاد في التعلم لأن هذا لن يكون له علاقة بتوظيفهم. ألست مشاركا في كل هذا.
من الناحية الإدارية فإن قرارك يؤثر سلبا على أداء المؤسسة ويسبب شعور العاملين بأن التوصيات ستتحكم في ترقياتهم وتقييمهم مما يقلل من حماسهم لتقديم أفضل أداء
الأولويات
أنت مسئول عن موقع خدمي في مؤسسة ما ويأتيك الآخرين من العاملين يطلبون منك خدمات خاصة بالعمل والمفترض أن تلبي طلباتهم حسب أولويات العمل. فإن جاءك من تعرف أنه له علاقة بمدير كبير في المؤسسة أسرعت بتنفيذ مايريد وإن جاءك آخر من الموظفين المغمورين فإنك تهمل طلباته أو تؤجلها حتى ولو كان طلبه هام جدا للعمل. وفي حالة أخرى يأتيك من يطلب منك عمل تعلم أنه سيسمع به مدير كبير فتهتم به كثيرا ويأتيك آخر يطلب منك عمل أهم بكثير ولكنك تعلم أنه لن يصل إلى علم كبار المديرين فتهمل طلبه وتؤجله.
هل الأمانة تقتضي أن تُوظِّف وقت العمل بما يحقق أقصى مصلحة لك أم أن الأمانة تقتضي أن تهتم بما يؤثر على العمل بغض النظر عن مصالحك الشخصية. ماذا ستقول لو كنت تملك مطعما صغيرا ووجدت أن مدير المطعم يقوم بخدمة الأشخاص الذين قد يفيدونه على المستوى الشخصي ويهمل الآخرين من عملاء دائمين للمطعم. ألن تقول أن هذا شخص غير أمين ويستغل مطعمك لتحقيق مصالحه الشخصية وقد تقوم بفصله؟
من الناحية الإدارية أنت تُهدر موارد المؤسسة ولاتُوظِّفُها على الوجه الأمثل وتتسبب في أعمال كانت ستفيد المؤسسة. بل واكثر من ذلك أنك تجعل كثير من الموظفين يتجنبون طلب أي شيء منك لكي لا يذوقوا مرارة عدم اهتمامك بطلباتهم مما يؤدي إلى عدم تقديمهم لاقتراحات كان من الممكن أن تُحسِّن الاداء
التَسلُّق والاستهانة بالمرؤوسين
أنت مدير صغيرولك تطلعاتك في أن تصبح مديرا عظيما فتبدأ في مدح رؤسائك بما ليس فيهم وتثني على أفعالهم وتستشهد بأقوالهم وفي نفس الوقت تضغط على مرؤوسيك وتُكلفهم ما لايطيقون وتزدري أقوالهم.
من الناحية الأخلاقية انت شخص ينافق رؤساءه وأنت مدير لا يراعي مرؤوسيه
من الناحية الإدارية فإن هذا المدير يؤدي إلى إحباط المرؤوسين وفي حالة وجود فرصة فإن الكثير منهم سوف يلتحق بعمل آخر وخاصة ذوي الكفاءات منهم. هذا المدير لا يكون مخلصا في عمله بل هو مخلص في تملق رؤسائه وبالتالي يؤدي إلى ضعف مستوى الأداء. من مشاكل هذا المدير أنه يخدع رؤساءه بالتالي يتصورون أنه ناجح. المشكلة تتفاقم بانتقال عدوى هذا الشخص للآخرين خاصة من هم أصغر منه سنا
عدم التعاون
أنت موظف أو مدير في مؤسسة كبيرة وأداؤك لعملك يتوقف عليه أداء الآخرين لعملهم ولذلك فهم دائما يطلبون منك تادية أعمال خاصة بالعمل لكي يتمكنوا هم من أداء عملهم. لكي تريح نفسك فإنك تتعامل معهم بطريقة غير مهذبة وتدعي أحيانا عدم قدرتك على تلبية طلبهم وتتظاهر أحيانا بأنك مُنشغل بأعمال كثيرة
من الناحية الأخلاقية أنت شخص غير متعاون وغير مخلص في عملك. طالما أنه لم يطلب منك شيء خارج نطاق عملك فإن دورك أن تؤديه في أحسن صورة. هل لو كنت تقوم بهذه الأعمال في عملك الخاص كنت تتعامل معهم بهذه الطريقة؟ إن كانت الإجابة لا فأنت غير مخلص في عملك. إخلاصك في عملك كموظف ينبغي أن يكون كإخلاصك فيما يخصك شخصيا أو يزيد. فأنت في تجارتك الخاصة قد تقنع بما حققته من مكاسب وتوفر بعض المجهود ولكنك كموظف أو أجير عليك ان تؤدي عملك في أحسن وجه
من الناحية الإدارية هذا التصرف يؤدي إلى تعطل الأعمال وإن لم يواجه من قبل الإدارة فإنه ينتشر ويصبح أسلوب تعامل عام. ينتج عن ذلك انعدام روح التعاون وهو ما يضعف أي فرصة جادة للتطوير أو لتحليل المشاكل ويجعل العمل حلبة للصراع. وبالطبع هذا كله ينعكس على اداء المؤسسة ونتائجها
الرشوة
أنت موظف أو مدير ولديك سلطة التعاقد مع موردين فتشترط عليهم مبلغا من المال مقابل تزكيتهم. أو مدير ويأتيك طلبات التعيين فتتقاضى من أحد المرشحين مبلغا من المال مقابل تعيينه. أو أنت موظف في مؤسسة خدمية تتعامل مع الجمهور فتتقاضى من طالبي الخدمة مالا مقابل تأدية الخدمة
من الناحية الأخلاقية هذه رشوة واستغلال للنفوذ وخيانة للامانة
من الناحية الإدارية أنت تختار من هم ليسوا أهلا للاختيار وتسيء لسمعة المؤسسة مما يجعل الموردين المتميزين يعزفون عن التعامل معها. أما في حالة التعامل مع الجمهور فأنت تجعل المؤسسة تفشل في وظيفتها الأساسية وهي تقديم خدمة جيدة ومراعاة العدل…..وهذا واضح
الكذب على الموردين
أنت موظف أو مدير في مؤسسة ما وتتعامل مع الموردين وتُصور لهم أنك ستتعامل معهم كثيرا في المستقبل لكي تحصل منهم على أسعر منخفضة بينما أنت لا تنوي التعامل معهم كما تزعم
من الناحية الأخلاقية أنت شخص كذاب ومخادع. أو تقبل أن تكون مكان هذا المورد؟ ماذا كنت ستقول عندما تعلم بأنك خدعت؟ ألن تقول في نفسك أن هذا الموظف غير محترم وشخص سيء الخلق؟
من الناحية الإدارية أنت تجعل الشركة تفقد مصداقيتها أمام الموردين. العالم المتقدم يتجه نحو العلاقة طويلة الأمد مع الموردين والمبنية على الثقة والاحترام والتعاون وأنت مازلت تعيش في سياسة الحرب مع الموردين. تأكد أن الموردين سيتناقلوا أخبار خداع مؤسستك لهم ولن يكونوا على استعداد للتعاون معها وسيفضلون التعامل مع غيرها من المؤسسات المحترمة
[COLOR="DeepSkyBlue"]الكذب على العملاء [/COLOR]
يأتيك العميل فتقول له أن طلبه سوف يتم تلبيته في غضون أيام وأنت تعلم أنك لن تستطيع تلبية طلبه إلا بعد أسابيع. ثم يتصل بك بعد أيام فتُقسم له أن المنتج في مراحل التصنيع الأخيرة بينما أنت لم تبدأ في تصنيعه. ويأتيك عميل آخر فتُصور له أن مواصفات منتجك مناسبة لمتطلباته وأنت تعلم أنها تقل عن متطلباته
من الناحية الأخلاقية أنت شخص كذاب وغشاش في البيع. قد تقول لي: يا أخي هذا من لوازم تَروِيج البضاعة وهذا أمر معتاد. هل تريد مني أقول له إن بضاعتنا لا تصلح له أو أنه لا يمكننا تلبية طلبه في خلال أيام؟ إذن يتركنا ويذهب لغيرنا. أقول لك: إن لم يكن هذا غش في البيع فما هو الغش في البيع؟ هل عندما يخدعك البائع بهذه الطريقة تكون سعيدا وراضيا عن فعله أم تقول أين الامانة…الناس لا يوثق بهم…ذهبت الأخلاق.
من الناحية الإدارية أنت تؤثر سلبا على سمعة مؤسستك وسيكتشف العملاء خداعك بعد مرة واحدة من التعامل وسيخبرون غيرهم من العملاء. وعلى المدى البعيد يؤثر ذلك على مبيعاتك لأن العملاء سيبحثون عن غيرك
الهدايا
أنت مسئول في موقع ما تأتيك الهدايا من المتعاملين معك بسبب العمل ممن لهم مصالح لديك. هذه الهدايا منها الحقير ومنها الثمين. فيأتيك المرؤوس بآلة منزلية كهدية ويأتيك المورد بجهاز إلكتروني ويأتيك العميل بلوحة فنية ثمينة. وأنت لا تريد أن ترد لهم هدية وتعتبر هذا من قبيل المحبة
من الناحية الأخلاقية هذه الهدايا تأخذ صورة الرشوة لأنها تجعلك غير قادر على التعامل بالعدل مع من أهداك
من الناحية الإدارية أنت تُخل بميزان العدل في المؤسسة وتجعل المتعاملين معك لا يقومون بواجباتهم بل يحاولون إرضاءك بالهدايا فهذا هو الطريق المختصر للوصول غلى مصالحهم الشخصية
التقييم (التقويم)
أنت مدير ومن مسئولياتك تقييم المرؤوسين بصفة دورية مما يترتب عليه زيادة في أجورهم. عندما تقوم بالتقييم فإنك تعتمد على مشاعرك لحظة التقييم ولا تحاول تذكُّر ما فعله المرؤوس من اخطاء وإنجازات. وبالتالي قد تعطي مرؤوسا تقييما ضعيفا لخطأ صغير ارتكبه قبل التقييم مباشرة أو لأنه يناقش الأمور ويريد طرح الأفكار وقد تعطي ذلك الذي يمدحك بما أنت لست له أهل تقييما عاليا
من الناحية الأخلاقية هذا ظلم واضح فأنت مسئول عن هذا التقييم وتأثيره على المرؤوسين. المفترض أن يكون التقييم مبنيا على نتائج العمل خلال فترة التقييم كلها وأن يعتمد على الحقائق
من الناحية الإدارية أنت تُحبط المخلصين وتجعلهم يفقدون الحماس لأن التقييم غير عادل وغير جاد. وعلى الجانب الآخر أنت تشجع المنافقين وتتسبب في توليهم المناصب القيادية. كل هذا يؤدي إلى ضعف الأداء وعدم شعور المخلصين بوجود مستقبل وظيفي جيد لهم في هذه المؤسسة
ازدراء المرؤوسين
أنت مدير لمجموعة من المرؤوسين وتتعامل معهم بفظاظة وعدم احترام وقد تستخدم ألفاظا بذيئة. بالطبع أنت تعتبر هذا جزءا من التحفيز للعاملين
من الناحية الأخلاقية أنت لا حق لك في ازدراء المرؤوسين ولاحق لك في إهانتهم. هل ترضى ان يكون أسلوب تحفيزك ان يضربك مديرك على قفاك كلما أخطأت؟ أنت لست بأفضل منهم
من الناحية الإدارية أنت تتسبب في خوف العاملين ومحاولتهم إسكاتك بأي وسيلة بغض النظر عن صالح العمل. عندما يخطئ أحدهم فتحدث مشكلة فإن أحدا لن يصدقك القول فيما حدث وبالتالي يضيع الوقت في البحث عن السبب الذي هو معروف أصلا للمرؤوسين
كما ترى فإن الخلل الأخلاقي يؤدي إلى خلل إداري. وفي النهاية فنحن نعمل لنعيش ومن المهم ألا تقف أمام المرآة بعد أن يكبر سنك ثم تقول “كنت أتمنى ان أرى في المرآة شخصا أحترمه”
أخلاقيات العمل ضرورة إدارية
ناقشتُ في عدة مقالات سابقة أخلاقيات العمل في الخارج وكذلك أخلاقيات العمل من الناحية الدينية. ولكن الأمر لا يقف عند هذا الحد بل أخلاقيات العمل هي ضرورة إدارية. هذا ما أحاول توضيحه في هذه المقالة
على الرغم من أن كل شخص ينبغي أن يَتَحلَّى بأخلاقيات العمل فإن إدارة المؤسسة لابد أن تضع ضوابط وجزاءات تجعل الموظفين يلتزمون بأخلاقيات العمل. فقد تجد من الموظفين من هو مؤمنٌ بأخلاقيات العمل ومنهم من لايكترث بها. ولكن من مصلحة المؤسسة أن تجعل الكُل يلتزم بها بناء على لائحة أو ميثاق توضح أخلاقيات العمل من منظور المؤسسة بحيث تكون ملزمة لكل العاملين وبحيث تكون هناك عقوبة رادعة لمن يخالفها
العلاقة بين العاملين والإدارة
من الأمور المعلومة أن الثقة بين العاملين والإدارة لها علاقة مباشرة بزيادة إنتاجية العامل. فالموظف الذي يعلم أن إدارة المؤسسة ستقدر مجهوداته على المدى القريب والبعيد فإنه يَتَفانى في عمله. ولكن عندما يشعر الموظف بأن إدارة المؤسسة لا تََفِي بوعودها للعاملين فإن هذا يكون أمرا غير مُحفِّز له على تطوير العمل والإبداع وزيادة الكفاءة. لذلك فإن التزام المديرين بالصدق والأمانة والعدل والوفاء والرحمة مع العاملين يؤدي إلى ثقة العاملين في الإدارة وهو ما يؤدي إلى تحفيزهم على العمل ويوفر كثيرا من الوقت الضائع في الشائعات والشكوك والتفاوض.
قارن بين حالتين: حالة الإدارة الملتزمة بأخلاقيات العمل والإدارة غير الملتزمة بأخلاقيات العمل. في الحالة الأولى تجد ان وعود المديرين للعاملين مُصدَّقة بينما في الحالة الثانية تجد ان الوعود غير مُصدَّقة بل يكون الشك مُهيمناًعلى العلاقة بين العاملين والإدارة.في الحالة الأولى تجد كثيرا من العاملين يستمر في العمل لسنوات عديدة طالما كان الدخل مقبولا بينما في الحالة الثانية تجد العاملين يبحثون عن بديل باستمرار حتى وإن كان الدخل مرتفعا. في الحالة الأولى تجد العامل سعيدا في عمله ولديه ولاء لهذه المؤسسة المحترمة بينما في الحالة الثانية تجد العلاقة مبنية على المقابل السريع لأن المقابل بعيد المدى غير مضمون.
هذا الأمر يمتد تأثيره إلى العمالة التي قد تتقدم لوظائف بالمؤسسة. فالمؤسسة التي تتعامل بطريقة أخلاقية مع موظفيها تجتذب كفاءات سوق العمالة بينما المؤسسة التي لا تُبالي بهذه الأمور تُنَفِر الكثير من تلك الكفاءات. تأثير ذلك على قدرات المؤسسة غنيٌ عن التفصيل. كذلك فإن أسلوب تعامل المؤسسة مع المتقدمين لوظائف يؤثر على الكفاءات التي تقبل التوظيف بها بل والتي تتقدم لها مستقبلا.
العلاقة بين العاملين
عندما يكون الصدق والتعاون الاحترام والأمانة هي الأخلاقيات المنتشرة بين العاملين وبعضهم البعض فإن هذا يؤدي إلى تَفجر طاقات العاملين لصالح العمل. بينما عندما تكون ثقافة الخداع والنفاق والإساءة للزملاء هي المسيطرة فإن كل عامل يكون على حذر من زميله ويتعاون معه بقدر ضئيل ويُخفي عنه الكثير من المعلومات وقد يكذب في التقارير التي يكتبها لرئيسه وهكذا. في الحالة الأولى يمكن تشكيل فرق عمل لحل المشاكل وتطوير العمل بينما في الحالة الثانية فإن فرق العمل تفشل لعدم وجود روح التعاون والثقة بين العاملين. في الحالة الأولى تجد أن بيانات العمل دقيقة وصحيحة بينما في الحالة الثانية تجد أن كثيرا من البيانات خاطئة وكثيرا من التقارير مُضلِّلة. في الحالة الأولى تجد الخبرة تنتقل من موظف لزميلة ولمرؤوسه وكذلك من جيل لجيل وبالتالي فإن العاملين دائما في حالة نمو وتطور وهو ما ينعكس على المؤسسة.
بينما في الحالة الثانية تجد أن كل موظف يُخفي معلوماته عن زميله وتجد الخبرة تَضِيع بانتهاء خدمة موظف ما وعلينا البدء من جديد. في الحالة الأولى تجد أن كل موظف مستعد لتحمل بعض الأعباء الإضافية بينما في الحالة الثانية تجد أن كل موظف يتجنب تحمل أي مسئوليات إضافية. في الحالة الأولى تُقابل أي مبادرة من أحد العاملين لتطوير العمل بالتِرحاب بينما في الحالة الثانية تقابل بالشكوك و بالتساؤل عن الأهداف الخفية لصاحب المبادرة. في الحالة الأولى يكون العمل هو الشغل الشاغل للعاملين بينما في الحالة الثانية تكون مهارات التغلب على مكائد الزملاء ومهارات إيقاعهم في المشاكل هي الهدف الأسمى لكل عامل
العلاقة مع الموردين
عندما تكون المؤسسة تتعامل مع الموردين بأسلوب أخلاقي فإن الموردين يُفضلون استمرار علاقتهم مع هذه المؤسسة. في هذه الحالة تكون العلاقة بين المؤسسة والموردين طويلة الأجل وتكون مبنية على الثقة والاحترام والمصالح المشتركة. هذا يُتيح للمؤسسة أن تطلب من الموردين تقديم أسعارا أفضل وجودة أفضل بل وتستطيع أن تطلب منهم تعديل أسلوب عملهم أو التكنولوجيا التي يستخدمونها للوصول إلى الجودة المطلوبة. كذلك فإن الموردين يكونون مستعدين للعمل يدا بيد مع موظفي تلك المؤسسة لتطوير منتجاتها. في هذه الحالة تستطيع الشركة ضمان الحصول على ما تريد من الموردين في الوقت المناسب وبالمواصفات المطلوبة. لا يخفى على القارئ ما يعود به كل ذلك على أداء المؤسسة
أما عندما تكون المؤسسة تتعامل مع الموردين بأسلوب غير أخلاقي كأن تؤخر سداد مستحقاتهم بغير حق أو تُعطيهم وعودا كاذبة أو لاتحاول التعاون معهم بأي صورة أو لاتحترم موظفيهم فإن العلاقة بين الموردين والمؤسسة تكون مبينية على المكسب السريع. فالمورد لا يضمن أن تتعامل معه المؤسسة مرة أخرى فيحاول الحصول على أعلى مقابل للمعاملة الحالية ويحاول أن يُقدم الخدمة بأقل تكلفة وهو ما قد ينتج عنه انخفاض الجودة. هذا المورد لا يكثرث برضاء تلك المؤسسة عنه على المدى البعيد لأن علاقته بتلك المؤسسة قد لا تمتد كثيرا. بالطبع لن تستطيع تلك المؤسسة أن تطلب من الموردين ما تطلبه المؤسسة الأخرى التي لديها علاقة تعاون طيلة الأمد مع الموردين وبالتالي فلن تجد يد العون من الموردين لتطوير المنتج أو تقليل وقت التوريد أو تطوير طريقة العمل لدى الموردين وهكذا. كذلك فإن المؤسسة التي يكون موظفيها يتقاضون أجورا من مورديها أو يحصلون منهم على هدايا لا تنتظر الحصول حتى على حقوقها لدى هؤلاء الموردين. هذا بالطبع ناهيك عن أن يكون المورد هو نفسه الموظف
العلاقة مع العملاء
عندما تكون المؤسسة صادقة وأمينة في تعاملها مع العملاء فإنهم سيفضلون شراء منتجاتها لأن لديهم ثقة هذه المؤسسة. سيكون من اليسير أن تحصل المؤسسة على رأي العملاء عند محاولة تطوير خدماتها لأن العملاء يشعرون بنوع من الولاء لتلك المؤسسة. يستطيع عميل تلك المؤسسة أن يبني خططه على أساس وعود تلك المؤسسة كفترة التوريد أو مواصفات المنتج. سيقوم العملاء بالدعاية المجانية لتلك المؤسسة عندما يتحدثون مع أقرانهم عن المعاملة الاخلاقية التي تقدمها هذه المؤسسة وتجدهم يتحاكون عن مواقف جيدة حدثت لهم عند تعاملهم مع تلك المؤسسة
أما في الحالة المعاكسة فإن العملاء سينقلون استياءهم من تلك المؤسسة إلى أصدقائهم وزملائهم. وستجد العملاء لا يثقون في وُعود تلك المؤسسة ويتخوفون من أن تكون المواصفات المكتوبة على المنتج غير حقيقية وسيحتاجون للتأكد منها. هؤلاء العملاء سيفضلون التعامل مع مؤسسة أخرى لديها اخلاقيات في التعامل وبالتالي تكون تلك المؤسسة معرضة للخطر
العلاقة مع المستثمرين
عندما تُفكر في شراء أسهم لشركة ما فإنك تدرس موقفها المالي من حيث المكسب والخسارة وغير ذلك. ولكن هل تؤثر ثقتك في اهتمام الشركة بأخلاقيات العمل على تقييمك لأسهمها؟ بالطبع نعم، لأن الشركة التي تتميز بأخلاقيات العمل ستكون قوائمها المالية دقيقة وصادقة وباتالي تستطيع الاعتماد عليها، أما الشركة التي تتميز بخداع الموردين أو العملاء أو الموظفين فلن تََتَوَرَّع عن خِداع المستثمرين بتقديم بيانات مالية كاذبة. وبالتالي فإن أخلاقيات العمل تؤثر على فرص جذب مستثمرين وهو ما يقلل من فرص توسع الشركة وإدخال منتجات جديدة أو دخول أسواق جديدة
العلاقة مع المنافسين
عندما تتمتع المؤسسة بسمعة طيبة من ناحية اخلاقيات التعامل فإنه يمكنها التعاون مع المنافسين فيما يُحقق مصلحة مشتركة. فعلى الرغم من التنافس فإن هناك الكثير من الأمور التي يمكن أن يتعاون فيها المنافسون بما يعود بالنفع على كل منهما. مثال ذلك أن تتحد عدة شركات لكي تشتري مادة خامة كجهة واحدة وهو ما يعطيهم جميعا فرصة الحصول على سعر أفضل وجودة أفضل أو شروط دفع ميسرة لأن حجم الشراء يكون أكبر بكثير مما لو اشترى كل منهم على حدة وبالتالي يكون المورد حريصا على تقديم بعض التنازلات. كذلك قد يتعاون المنافسون بتقديم خدماتهم لعملاء المنافسين الذين يستطيعون خدمتهم بتكلفة أقل من المنافسين مثل التعاون بين شركات الطيران لنقل عملائهم على خطوط طيرانهم المختلفة وهو ما يقلل التكلفة على شركات الطيران ويزيد من المرونة في توفر المواعيد المختلفة. كذلك قد تتعاون الشركات لمواجهة منافس كبيرأو لتطوير تكنولوجيا ما أو غير ذلك.
هذا التعاون مع المنافسين لا يمكن تحقيقه عندما تكون المؤسسة لا تتميز بالمحافظة على أخلاقيات العمل لأن المنافسين سيقابلون أي مبادرة للتعاون بالتوجُس والشك والحذر. وبالنالي تخسر تلك المؤسسة كل هذه الفرص للتعاون المفيد مع المنافسين
علاقة أخلاقيات العمل بسياسات الإدارة الحديثة
كما ترى فإن أخلاقيات العمل تساعد المؤسسة على اتباع أساليب الإدارة الحديثة والعكس صحيح. فالمؤسسة الأخلاقية تستطيع أن تطبق سياسات مثل Jusy In Time لأنها تستطيع التعاون مع الموردين لتوريد المواد الأولية في الوقت المناسب وتستطيع تكوين فرق عمل وتستطيع الاعتماد على المشغلين لضبط الجودة وتستطيع حل مشاكل المعدات وهكذا. كذلك فإنها تستطيع تطبيق سياسة Total Productive Maintenance أو الصيانة الإناتجية الشاملة لأن روح التعاون بين التشغيل والإنتاج ستكون متوفرة أصلا وسيكون بإمكانها تكوين مجموعات صغيرة لحل مشاكل المعدات وسيكون لدى المشغلين الحماس لتنظيف المعدات بانفسهم وهكذا. هذه المؤسسة تستطيع أن تكون لديها سرعة في اتخاذ القرار ومرونة عالية لأنها تستطيع الثقة في المرؤوسين وبالتالي لا تحتاج لأن يتم اعتماد القرار من سلسلة طويلة من المديرين. هذه المؤسسة تستطيع تشكيل فرق عمل لتطوير المنتجات أو الخدمات وتستطيع تكوين تحالفات استراتيجية Strategic Alliances مع الموردين والمنافسين. اتباع اخلاقيات العمل تساعد كذلك على دراسة المشاكل بالأساليب الحديثة وتطبيق نظم مثل Six Sigma لأنه يمكن الرجوع لبيانات تاريخية دقيقة وصادقة. أما المؤسسة التي لا تكترث بأخلاقيات العمل فإن كل تلك السياسات لايكون لها فرص نجاح كبيرة بها. فلا يمكن تطبيق أياً من أساليب التفكير الجماعي مثل عصف الذهن ولا يمكن تشكيل فرق عمل و لايمكن دراسة المشكلات بناء على بيانات صحيحة ولا يمكن الثقة في أحد……
إرساء أخلاقيات العمل في المؤسسة
اتباع الأخلاق هو أمر يجب أن يحرص عليه كل شخص ولكن إدارة المؤسسة لن تعتمد على مدى التزام العاملين بأخلاقيات العمل بناء على قناعاتهم الشخصية بل هي بحاجة لأن تُلزمَهم بذلك كجزء من مُتطلبات العمل. فكما أوضحت فإن عدم الالتزام بأخلاقيات العمل يؤثر على أداء المؤسسة وبالتالي فلابد لها من الحرص على تطبيقها. لذلك فإنه من الضروري تحديد ما هو أخلاقي وما هو غير أخلاقي في عُرف المؤسسة لكي يلتزم به الجميع. في غياب ذلك فإن كل موظف يكون له مقاييسه الشخصية والتي تختلف من شخص لآخر.
كذلك فإنه لا بد من التعامل بحزم مع كل إخلال بهذه الأخلاقيات. لابد أن يتم التعامل مع الكذب في التقارير وفي البيانات وفي التعامل بكل حزم. لابد أن تُعامل روح العداء والإيذاء بين العاملين بالجزاء الرادع. لا يمكن ترك كل موظف يتصرف حسب ما اعتاد عليه فلا يمكن ترك الموظفين يتبادلون الألفاظ البذيئة أو يَحِيكون المؤامرات لبعضهم. لا يمكن أن يتم التعامل مع من لا يحترم اخلاقيات العمل بتهاون فهذا يجعل الجميع يسلك نفس المسلك. لا يمكن أن تقبل أن يكون العاملين لهم مصالح متداخلة مع مصالحة المؤسسة. لا يمكن أن تقبل أن تكون روح العداء هي المنتشرة بين العاملين. لا يمكن أن تقبل أن يخدع موظفا عميلا أو موردا أو مُتقدم لوطيفة. لا يمكن ان تقبل إدارة المؤسسة أن يأخذ العاملين هدايا قيِّمة من الموردين أو العملاء. يجب أن يتم التعامل مع كل أمر يخص أخلاقيات العمل بكل شدة مهما كانت رتبة الشخص المخالف
الحِرص على أخلاقيات العمل هو أمرٌ أخلاقي وديني وإداري. مع الأسف فإن إهمالنا لأخلاقيات العمل يجعل العاملين لا يتعاونون والشركات لا تثق في بعضها والكل يبدأ بسوء الظن ولا يمكننا الاستفادة من خبرات بعضنا. أخلاقيات العمل ضرورة للتطور. لابد أن تكون لأخلاقيات العمل أولوية أكبر بين موظفينا ومُديرينا.
أخلاقيات العمل والإدارة عند الأجانب
قد يتصور بعض العاملين والمديرين والمستثمرين من أن العمل والإدارة والاستثمارلا يَخضعون لأي أخلاق في العالم المتقدم. فهناك من يظن أن الأجانب يعتبرون ان العِبرة بالمكسب والخسارة وأن اتباع الأخلاق في هذه الامور هو أمر ساذج. هذا الاعتقاد لو صح فإنه لايُعفينا من ان أن نتبع الأخلاق في عملنا فما بالك وهذا الاعتقاد لا أساس له من الصحة ومخالف مخالفة كبيرة للواقع. أحاول في هذه المقالة توضيح ما تعنيه اخلاقيات العمل عند الأجانب لتوضيح الأمور والرد على هذه المقولة
خلط الأمور
نحن في بلادنا العربية لدينا تحفظ شديد -محمود بالطبع- في العلاقة بين الرجال والنساء وذلك نابع من ديننا وعاداتنا. في كثير من دول العالم المتقدم صناعيا لا تكون هذه التحفظات موجودة بنفس القدر الذي يوجد في بلادنا. وإن كان لابد من ذكر أن هناك في ذلك العالم المتقدم من يكون لديه تحفظات مشابهة لتحفظاتنا. ونتيجة لهذا الاختلاف فإننا أحيانا نُعمم الامر فنفترض أننا ندعو للأخلاق الحميدة وباقي العالم يدعو للرذيلة. ولكننا بذلك نتغافل -عمدا او خطأ- عن أننا لسنا الوحيدين في هذا الكَون الذين يعتقدون بأن العدل والأمانة والصدق والإخلاص هي من الفضائل التي ينبغي أن يلتزم بها أي إنسان. ومن هنا نتصور أن هذه الأخلاق لايدعو إليها الأجانب ولا يلتزمون بها. هذا أمر غير صحيح فهذه الاخلاقيات والفضائل هي محمودة في المجتمعات المتقدمة بل وتلقى اهتماما كبيرا
هناك تصور آخر وهو أننا في بلادنا العربية نستقي أخلاقنا من ديننا وبما أن الكثيرين في العالم المتقدم لايدينون بدين فهم لا يعترفون بالأخلاق الحميدة. هذا اعتقاد خاطئ. أولا: ليس كل أبناء العالم المتقدم ممن لا يؤمنون بالله بل منهم المسلمون والنصارى واليهود وغيرهم ومن هؤلاء من يلتزم بما يعتقده إلتزاما شديدا وذلك يشمل الأخلاقيات. ثانيا: نعم هناك في العالم المتقدم من لايؤمن بالله أو من لايلتزم بدينه ولكن ذلك لايعني أنه عديم الأخلاق وأنه يفتخر بكونه كذاب او مخادع أو خائن. الأخلاق الحميدة مثل الامانة والصدق والوفاء بالعهد هي من الأمور التي يعترف بها الجميع. نعم الدين هو دافع قوي جدا للالتزام بالأخلاق ولكن هذا لايعني أن الملحد يؤمن بوجوب انعدام الأخلاق. هذا بالطبع بالنسبة للأسوياء والأكثرية في كل مجتمع وقد يكون هناك قلة شاذة ومُنحطة في أي مجتمع
هناك حالة مماثلة في تاريخنا كعرب. ألم تسمع عن العرب قبل الإسلام وما كانوا فيه من فساد في الاعتقاد وعبادة للأوثان وانتشار لرذائل كثيرة. ولكنك في نفس الوقت تعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسمى الصادق الأمين من قبل البعثة وكان ذلك محمودا لديهم. كذلك من المعلوم أن صفة الكرم كانت محمودة لديهم وكذلك صفة الصدق. وكذلك صفات الشهامة والوقوف بجانب الضعيف.
خلاصة القول هو أن الأخلاق الحميدة مثل الصدق والأمانة والوفاء بالوعد وعدم الغش وعدم الخداع هي من الامور المحمودة عند المجتمعات المتقدمة. لاحظ ان هذه الاخلاقيات هي أخلاقيات العمل الأساسية. قد يكون الدافع للالتزام بالأخلاق مختلفا من شخص لآخر فهذا يعتبرها جزءا من الدين وهذا يعتبرها أمرا محمودا وهذا يخاف أن يحتقره الآخرون وهكذا. ولكن على أي حال لن تجد مجتمعا يفتخر بكونه مجتمعا كذابا ولا يعترف بالأمانة. لماذا؟ لأن كل المجتمعات تعلم أن هذه صفات سيئة لا يُمدح عليها الإنسان بل يُذم. وبالتالي فإخلاقيات العمل الأساسية هي فضيلة عند كل المجتمعات
اهتمام الجامعات الاجنبية بأخلاقيات العمل
تلقى الاخلاقيات التي ذكرناها اهتماما كبيرا في الجامعات في الدول الاجنبية. فتجد أن تدريس مادة في أخلاقيات المهنة أمرا شائعا. وكذلك في كليات الإدارة والتجارة تجد أن أكثر الجامعات تُدرِّس مادة في أخلاقيات العمل والإدارة. بالإضافة لذلك فإنه يتم التطرق في بعض الأحيان لأخلاقيات المهنة في أثناء دراسة المواد الأخرى. يمكنك الاطلاع على مثال لهذه البرامج من خلال الرابط التالي والذي يعرض مادة أخلاقيات الهندسة والتي تدرس لطلبة الهندسة في جامعة أمريكية مرموقة
أخلاقيات الهندسة في M IT
أما في مجال دراسة إدارة الأعمال فإنه من الشائع في الجامعات الأوروبية والأمريكية أن تكون هناك مادة متعلقة بأخلاقيات العمل. هذه المادة تكون إجبارية في بعض الجامعات وتكون اختيارية في بعض آخر. الموقع التالي يعرض في صفحته السابعة معلومات عن مادة اخلاقيات العمل في مجموعة من الجامعات في برامج ماجستير إدارة الأعمال MBA
Enhancing the MBA
وللتأكد من ذلك يمكنك الاطلاع على الروابط أدناه لجامعات أوروبية وأمريكية والتي توضح وجود مادة دراسية خاصة لأخلاقيات العمل والإدارة
London Business School
Wharton Business School
Purdue University
لا تكتفي الجامعات بتدريس أخلاقيات العمل بل إنها تتفاعل مع مشاكل العمل الأخلاقية ويدفعها ذلك لتطوير أسلوب تدريس أخلاقيات العمل. المقالة التالية توضح اهتمام الجامعات بتطوير برامجها لأخلاقيات العمل في برامج دراسة الإدارة لمواجهة المشاكل الاخلاقية والقانونية التي وقع فيها بعض الحاصلين على شهادات في إدارة الأعمال
Ethics move to head class
بل ويصل إلى الأمر إلى المطالبة بتدريس أخلاقيات العمل للطلبة بدايةً من مراحل التعليم الإبتدائية والإعدادية (المتوسطة). المقالة التالية توضح ذلك
Interview: Tom Rowley, Junior
وبغض النظر عن هذا الاقتراح فإن أخلاقيات العمل تجد جذورها بالفعل في الخارج منذ الدراسة الإبتدائية وذلك بأن ينشأ الطالب على أن الغش في الامتحانات أو نقل الواجبات هي عملية لا يصح ان يقوم بها الشخص السوي ويتم التعامل مع هذا الأمر بصرامة في المدارس والجامعات. كذلك يعتاد الطلبة على احترام حقوق الآخرين في أبسط الأشياء مثل الانتظار في الطابور والالتزام بقواعد المرور في الطريق. فهذه الأشياء البسيطة تؤخذ بجدية شديدة جدا وبالتالي يترعرع الطالب وهو يحترم فضيلة الصدق والعدل والأمانة وأداء الواجب وهذه هي محاور أخلاقيات العمل.
اهتمام الشركات الاجنبية بأخلاقيات العمل
لا يتوقف أمر أخلاقيات العمل عند المدارس والجامعات بل يأخذ الأمر شكلا رسميا وقانونيا في الشركات. فتجد أن الشركات تضع لنفسها ميثاق الأخلاق أو Ethics Cdoe. هذا الميثاق يُوضح الأعمال التي تُعتبر غير أخلاقية في هذه المؤسسة وبالتالي يكون لزاماً على العاملين الالتزام به ومحاسبتهم عند الخطأ. وجود هذا الميثاق يجعل الأمور واضحة بحيث لا يَدَّعِي العامل أنه ظنَّ أن الأمر يعتبر مقبولاً أخلاقياً من وجهة نظره وكذلك فإن هذا الميثاق يجعل الأمر إلزامي ولا يعتمد على شخصية العامل والتزامه بالأخلاق. ولذلك فقد تلاحظ في الدول الأجنبية أن بعض العمال قد يكونون خارج العمل أشخاص غير مستقيمين ولكنهم في العمل يؤدون العمل بنفس المستوى والأخلاقيات التي يؤدي بها أي شخص آخر.
لتوضيح والتدليل على وجود هذه المواثيق وضعتُ أدناه بعض الروابط لمواثيق الأخلاق في بعض الشركات من شركات سيارات إلى شركات توليد الطاقة إلى مؤسسات ترفيهية إلى مؤسسات صحفية. أنصحك بالنظر ولو سريعا في بعض هذه المواثيق لتتعرف على أهم محتوياتها
DaimlerChrysler AG’s Code of Ethics
Code of Ethics- Scottish Power
Ethics at work - Belleveu Community College
Codes of Conduct for Directors - Disney
Ethical Journalism - New York times
من أخلاقيات العمل التي تسمع عنها كثيرا بالخارج:
عدم وجود تضاد في المصالح Conflict of Interest مثل أن تعمل في مؤسسة وتعمل مستشارا لمورديها أو تتقاض هدايا او أجراً من منافسيها أو تتملك حصة في شركة تعمل كمنافس أو عميل او مرد للشركة التي أعمل بها. من الامور المحددة في ميثاق شركة كريزلر - الرابط موجود في القسم السابق- أن المديرين لا يجوز لهم تملك ما يزيد عن واحد في الألف من أسهم أي شركة منافسة أو موردة أو عميلة للشركة
عدم الغش والخداع والكذب بأي نوع ومع أي جهة. فلا يجوز للبائع أن يخدع المشتري ولا للشركة أن تخدع مورديها ولا للمتقدم لوظيفة أن يخدع شركة التوظيف ولا للمرؤوس أن يكذب على رئيسه والعكس
الحفاظ على البيئة بمعنى عدم تلويث البيئة بمخلفات الإنتاج ويشمل عدم تلويث الهواء والبحار والأنهار والأرض. لذلك تجد الشركات تشير في مواقعها على الشبكة الدولية لما توليه من عناية بالبيئة وما تقوم به للمحافظة عليها
عدم تشغيل الأطفال باعتباره استغلالا للأطفال وتعويق لهم عن التعليم الإلزامي يالإضاة إلى أنه غالبا ما يشتمل على تعرض الأطفال لمخاطر أو استغلالهم في أعمال غير آمنة
Child Labor -UNICEF
عدم استخدام معلومات غير متاحة للعامة لتحقيق مكاسب من التجارة في البورصة وهو ما يسمى Insider Trading أو تجارة العليم ببواطن الأمور. فلا يمكن للعامل في الإدارة المالية في شركة أن يقوم بالتخلص من أسهمه في الشركة بالبيع حين يعلم ان الميزانية التي سوف تعلن على المساهمين ستوضح خسارة الشركة ولا أن يخبر أحدا بذلك للاستفادة من هذه المعلومة. لماذا؟ لأنه استغل معلومات غير متاحة للعامة وبالتالي أخل بتكافؤ الفرص في سوق الأسهم. هذا الأمر قد يؤدي إلى السجن.
Insider Trading - US SEC
احترم حقوق الملكية الفكرية مثل حقوق الطبع وحقوق براءات الاختراع فلا يسمح بنسخ البرامج الإلكترونية ولا إعادة طبع كتاب بدون إذن مؤلفه ولا بالنقل من كتاب بدون توضيح الجزء المنقول ولامصدره. عدم الالتزام بذلك قد يؤدي إلى فصل طالب من الجامعة بل فصل أستاذ من الجامعة
عدم حصول الموظفين على هدايا سوى ما تسمح به اللوائح فبعض الشركات قد تسمح للموظفين بقيول هدايا في حدود قيمة مالية محددة مثل عدة دولارت أو بمعنى آخر بأنه يسمح بقبول هذايا رمزية فقط. أي مخالفة لذلك تعتبر إخلالا بالامانة وقد يترتب عليها فصل العامل بمعنى طرده من العمل
عدم تقاضي رشوة….هذا أمر واضح
عدم التفرقة في التوظيف والترقية والتدريب وأي معاملة في العمل بناء على لون أو نوع أو ديانة أو أصل العامل أو المتقدم للعمل. فلا يمكنك أن ترفض شخصا لأن أصله من بلد محدد طالما هو يتمتع بحقوق العمل في هذا البلد. وكذلك لا يمكنك رفض شخص أو عدم ترقيته لأنه من الملونين أو لأنه كبير في السن أو صغير في السن.
عدم التفريق في التعيين والترقيات وخلافه بناء على وجود إعاقة غير مؤثرة في العمل بمعنى انك لا تستطيع رفض شخص تقدم لوظيفة بسبب وجود إعاقة ما لم تكن هذه الإعاقة تمنعه عن أداء العمل. ولذلك تجد في الخارج معاقين يعملون في مجالات مختلفة. أذكُر على سبيل المثال حين كنتُ أستذكر في الجامعة في الولايات المتحدة ووجدتُ مندوبا من الحي أو المحافظة أو البلدية يطلب مني ملأ استطلاع رأي عن الخدمات في منطقة ما لتطويرها. هذا المندوب كان يتحرك على كرسي متحرك. كذلك أذكر طلبة في نفس الجامعة كانوا يدرسون على الرغم من ان إعاقاتهم كانت بالغة بحيث لا تتصور لهذا الشخص أن يكون طالبا جامعيا. فالأمر لا يتوقف عند مجرد تعيين نسبة من المعاقين لكي يتقاضوا مرتبا بل توفير فرصة عمل حقيقية باعتبار أن هذا الشخص من حقه أن بعمل
الصدق والدقة في التقارير وأهمها تقارير الشركات السنوية وما تحتويه من قوائم مالية. هذا أمر قد يترتب على مخالفته الفصل والعقوبات مثل الحبس. هذا الأمر يُقابل باستهجان كبير من العامة عند اكتشافه لأنه عمل غير أخلاقي ويضر بمصالح الكثير من الناس الذين يستثمرون في هذه الشركات. لاحظ أن المستثمر هنا لا تنحصر في الأثرياء ولكنها تشمل الشخص العادي الذي يشتري بضعة أسهم هنا وهناك. هذا المستثمر يعتمد على القوائم المالية للشركة في تقرير شراء أو بيع الأسهم. ولذلك فحين تكون هذه التقارير كاذبة فإن هذا الشخص يخسر أمواله
الحفاظ على أمان وصحة العاملين فتجد انظمة الأمان في العمل لها احترام عظيم
احترام سرية بعض المعلومات الخاصة بالمؤسسة وعدم إعلانها
عدم استخدام موارد المؤسسة في المصالح الخاصة
عدم السرقة أو أخذ أموال من الشركة أو المؤسسة بغير حق
وهل لا توجد تجاوزات؟
بالطبع لا يخلو الأمر من تجاوزات ولكن المسائل المتعلقة بأخلاقيات العمل تقابل بجزاءات رادعة وباحتقار من المجتمع. فمن الأشياء التي تلاحظها أن الشخص المخالف لا يجلس وسط أقرانه لكي يحدثهم كيف كذب على الآخرين وكيف خدعهم لأن هذا سيقلل من قيمته في نظرهم ولا يأمن أن يفضحه أحدهم. ولا تجد شخصا يجلس وسط الناس ليفتخر بأنه متهرب من الضرائب أو أنه استطاع أن يخدع زملاءه أو مديريه لأن هذا أيضا سيقابل بالاحتقار.
وبعد؟
أردت بذلك الرد على من يدعي أنه لا أخلاق في العمل والاستثمار بحجة ان هذا ما يفعله الأجانب. ولسنا بحاجة لاستيراد أخلاقيات العمل من الخارج لأننا عندنا في ديننا ما يحض على الأخلاق في العمل والبيع والشراء والإدارة. وهذا ما سوف أشير إليه إجمالا في مقالة قادمة إن شاء الله
أخلاقيات العمل والإدارة في الإسلام
كنتُ أتحاور مع صديقي وزميلي -الذي يصغُرني ببضعة أعوام- عن الأداء الجيد لمرؤوسه الذي التحق بالعمل معه حديثا. وقد فاجأني بأن قال لي أنه يحاول أن ينقل له ما تعلمَه مني عندما التحق بالعمل معي -كزميل في نفس الإدارة- منذ أكثر من عشر سنوات. وظلَّ يقول لي أنه تعلم مني كذا وكذا وأنني قلت له -حينئذ- بعض النصائح الجيدة مثل كذا وكذا. أحمدُ الله أن صديقي ذكر أشياءً محمودة وإن كنت لم أستطع أن أتذكربعض ما قال أنني نصحته به في الماضي - فلم تُسعفني الذاكرة. ولم أكن اتصور أنني تركتُ هذا التأثير في هذا الصديق. على الرغم من أنني أعرف أنني عادة أحاول تقديم النصح للزملاء عند الحاجة ولكنني لم أتصور أن يدوم تأثير ذلك لسنوات وأنه يمكن أن ينتقل إلى آخرين.
هذا الحدث ذكَّرني ولفت انتباهي إلى أمر خطير وهو أن الآخرين يقتدون بنا وإن لم نَشعر. هذا يحدث في العمل وفي الحياة عموما. فكم من مواقف يراها الإنسان فتؤثر فيه مدى الحياة. هذه المواقف قد تُعلِّمه ما هو محمود أو ما هو مذموم. ولذلك فأحب أن ألفت الانتباه في هذه المقالة إلى تأثير اتباعنا لأخلاقيات العمل في الآخرين.
أنت قدوة للآخرين
قد تجد بعض الموظفين والمديرين يتصرف بطريقة تتنافى مع أخلاقيات العمل في فترة ما في عمره ثم يترك هذا النهج ويحاول أن يتبع النهج السَوي في العمل. ولكن مع الأسف فإنك تجد ان هناك أجيالا من الموظفين قد تعلموا النهج غير السوي من هذا الموظف أو المدير ثم نقلوا ما تعلموه لمن هم أصغر منهم وهكذا. وهؤلاء لن يتغيروا بمجرد تغير سلوك هذا الشخص بل ربما يكونون قد التحقوا بشركات أو هيئات أخرى ولم تعد تربطهم به أي صلة. احذر….أن تكون هذا الشخص! احذر أن تنقل أخلاقيات سيئة في العمل للآخرين بالقول أو بالفعل! احذر أن يأتي زميلك عندما تَكبر سنك ويقول لك لقد تعلمت منك منذ أربعين سنة التهرب من العمل أو تقاضي الرشوة أو النفاق أو الخداع أو إلقاء المسئولية على الآخرين…….!
قد تتصور أنك هَملا في الناس ولن يقتدي بك أحد ولكن في الواقع فإن الكثيرين من حولك وخاصة من هم أصغر منك سنا وأقل منك خبرة قد يقلدون أفعالك ويستمعون لنصائحك. فقد يتعلم منك الآخرون كيفية التهرب من القيام بما هو واجب من واجبات العمل وقد يتعلمون منك كيفية القاء التُهم على الزملاء وكيفية تملق الرئيس. قد يتعلمون منك ذلك نظرا لأنك تفعل ذلك أو لأنك تنصحهم بفعل ذلك. وقد يستمر تأثير ذلك لسنوات وسنوات وأنت لا تشعر. أنت لست هملا في الناس بل أنت قدوة لبعض الناس وإن لم تقصد وإن لم تعلم. إنه لأمر خطير…أليس كذلك؟
ولماذا لا تكون قدوة حسنة فتنقل المبادئ الطيبة في العمل والإدارة للآخرين؟ لماذا لا تكون مديرا يتعلم منك المرؤوسين التواضع والعدل والصدق والأمانة والجدية في العمل؟ قد يراك مرؤوسك أو زميلك تبذل الجهد لكي تقوم بواجبك بشكل جيد فيؤثر ذلك فيه وينتبع نفس الأسلوب. قد ترى مديرك حريصا على ألا يظلم احدا فيؤثر ذلك فيك وتقلده عندما تصبح في موقع المسئولية. قد ترى زميلك حريصا على احترام وقت العمل فتتبع نفس نهجه. قد يراك مرؤوسك أمينا مع العملاء فتجده أمينا معهم.
أنت قدوة بأفعالك
شئتَ ام أبيتَ فإن الآخرين يتأثرون بأفعالك وقد يقلدونك سواء نصحتَ أو لم تنصح سواء قصدتَ أو لم تقصد. إن الموظف الصغير عندما يجد الآخرين لايبالون بأخلاقيات العمل فإنه قد يقلدهم، ما لم يكن لديه وازع أخلاقي قوي. إن الشخص غير المهذب حين يذهب لمكان يكون فيه الناس يتعاملون بأخلاقيات عالية فإنه يحاول جاهدا أن يظهر باخلاقيات مقبولة لكي لا يكون محل احتقار الآخرين. هذا ما يحدث في العمل. إن الموظف الجديد أو الصغير نسبيا يقلد الآخرين فإن وجد أن الغش بكافة أشكاله هو أمر مُستقبح بينهم فإنه يبتعد عنه وإن وجد مديره أو زميله يكذب على الآخرين فإنه قد يتأثر بذلك وقد يظل يكذب بقية حياته في العمل وقد يمتد التأثير خارج العمل.
انتبه لما تنصح به الآخرين!
أنت في جميع الأحوال قدوة للآخرين بفعلك وإن لم تقصد وإن لم تُرد. وهناك آخرون يحرصون على نصيحة الآخرين بالقول. وهذه النصائح قد تَحض على أخلاقيات العمل وقد تشجع على ما يُنافيها. فقد تنصح زملاءك بأداء واجبهم بشكل جيد وقد تنصحهم بالأمانة والصدق مع الزملاء وقد تنصحهم بالصدق مع المديرين وقد تنصحهم بعدم خداع الموردين وقد تنصحهم بالتعاون مع زملائهم وقد تنصحهم بعدم ازدراء مرؤوسيهم …..وقد تنصحهم بالغش والخداع والكذب وتعمد الإساءة للآخرين…..
في بعض المؤسسات تجد العاملين يفتخرون بتفهمهم لبعض النظريات والأمثلة غير الأخلاقية. فتجد هناك نظريات للتهرب من المسئولية ونظريات لإلقاء التهم على الآخرين ونظريات في خداع العملاء. وتجد كذلك أمثلة تدعو إلى عدم الامانة في العمل مثل المثل الشهير: تعمل كثيرا فتخطيء مثيرا فلا تترقى، وتعمل قليلا فتخطئ كثيرا فلا تترقى. هذا مثل يدعوك إلى تعمد الإقلال من مجهودك في العمل وتجنب الاجتهاد في العمل. وهناك أمثلة كثيرة يتم تناقلها عبر الأجيال كمثال للقدوة السيئة.
انتبه لما تقوله للآخرين ولا تنصح الآخرين بأخلاقيات سيئة في العمل! لا تأخذ الأمر على أنها مجرد كلمات لا قيمة لها فقد يتأثر الآخرون بآرائك ويمتد هذا التأثير لغيرهم.
هل تمتدح الأمين أم الخائن؟
أحيانا تجد زملاءك يمتدحون أحد الزملاء أو المديرين ومن الطبيعي أن هذا المديح يدعوك لأن تَحذُو حَذو هذا الشخص لتكون محل تقدير الآخرين. عندما يكون هذا التقدير والمديح لشخص أمين في عمله أو صادق في تعامله فإن هذا يدعو الآخرين لاتباع هذا النهج الحميد. ولكن مع الأسف فإنه في بعض الأحيان يكون هذا التقدير والإعجاب نتيجة لقدرة هذا الموظف أو المدير على التهرب من المسئولية أو خداع العملاء أو خداع المرؤوسين أو تضليل المديرين. فتجد الآخرين يمتدحون هذا الشخص بقولهم: إنه أستاذ، إنه مُعلِّم، إنه شخص ذكي جدا، إنه خبرة كبيرة في التعامل مع العملاء أو المديرين، إنه رائع….هذا التقدير لمثل هؤلاء يجعل الآخرين -وخاصة من هم أصغر سنا- يحاولون تقليد هذا “الأستاذ” فيصبحون “أساتذة” في الخداع والغش.
بالإضافة لذلك فإن هذا الشخص عندما يُمتدح بسبب أفعاله السيئة فإنه يتمادى في ذلك ولا يجد غضاضة في ذلك. فلو كان الشخص الذي يكذب في العمل يجد الازدراء من الآحرين لما تمادى في ذلك. ولكن عندما يكذب الموظف او المدير فيجد زميله يقول له “أستااذ…أستااذ” فلا شك أن هذا يشجعه على الاستمرار في الكذب والإبداع فيه. لو وجد الشخص الذي يخدع العملاء أن مديره يكره ذلك وأن زملاءه يرون هذا غشا وخداعا لما استمر في ذلك او على أقل تقدير لما استمر في ذلك علانية.
احذر أن تمتدح زميلا او مديرا أو مرؤوسا بسبب أفعاله المُنافية لأخلاقيات العمل فإن الآخرين يستمعون إليك وقد يقلدونه بسبب مديحك هذا. إن أقوالك لها قيمتها ومديحك للآخرين ليس أمرا تتضاحك به بل هو أمر له تأثيره
إن أقوالك وأفعالك وتقديرك للآخرين يؤثر فيمن حولك من زملاء ومرؤوسين وقد يُشجعهم على الالتزام بأخلاقيات العمل وقد يُشجعهم على عدم اتباعها. أنت قدوة للآخرين وما تفعله او تقوله له تأثيره الكبير. أنت قدوة للآخرين وإن لم تشأ وإن لم تشعر…..